قصة الـجريمة (الجزء الرابع)
فقد جلست هي بخوف ظاهر عليها وقالت: “أنا لا أسمع شيئًا”. فقلت لها: “تعالي معي لنتحقق من الأمر”. بعد ذلك، قامت من سريرها وخرجنا معًا بعد أن أضاءنا الغرفة، كنت أشعر برعشة باردة في جسمي وكنت أسير بخطىً حذرة وبيدي تمسك بمصباحي عندما رأيت السيدة نفسها وهي تحترق وتصرخ بصوت عالٍ، والنيران تأكل جسدها وهي تجري في أرجاء الصالة. حتى رأتني وقفت فجأة وبدأت تتجه ببطء نحوي، وفي تلك اللحظة شددت سمر، التي لم تبدو خائفة سوى من رجل الماء، وأنا لم أكن مدركًا تقريبًا لأي شيء آخر، وظللت أجذبها. تقترب السيدة منا حتى دخلنا الغرفة ولصق ظهري بجدارها. حينها توقفت وكانت تبتعد عني بمسافتين ونظرت إلى بطنها المحترقة ووضعت يديها عليها، ثم اهتز النور للحظات وعندما عاد عاديًا، اختفت هي، وأنا سقطت على الأرض من شدة الرعب.
بعد ذلك، أرادت سمر تركي والعودة إلى منزلها، خاصةً أنها كانت قلقة بشأن رجل الماء، لأنها لم ترى ما رأيته أنا، لكنني ترجلتها بأن تستمر معي حتى الصباح حتى وإن لم نُغلق أعيننا. ومع ذلك، أخذتني تستمر واكملنا الليل في شقتهم.
في اليوم التالي، حاولت الاتصال بشريف، زوجي، عدة مرات لأعجل عودته، ولكنه لم يرد، وعند المكالمة الثالثة أو الرابعة، ردت فتاة هي ابنة عمه. قالت لي إن شريف ترك هاتفه على الشاحن وخرج فجأة لاستقبال ضيوفه الذين وصلوا إلى المنزل. كانت ودودة جدًا في حديثها وقالت لي إنها كانت تأمل في مقابلتي. استمر الحديث واستبدلت الأرقام، وفي نهاية ذلك اليوم، ودعتني بتمنيات الخير. ووصل شريف في اليوم التالي، ولكن بعد ذلك، بدأت تحدث مكالمات بيني وبين ابنة عمه بشكل منتظم، وزادت علاقتنا بدون علم زوجي بكل تلك القصة.
وبعد حوالي شهر من محادثاتنا، قررت أن أسألها عن زوجي الذي توفي، كنت ألمس الموضوع بحذر، فسألتها إذا كان طيبًا جدًا وكان رجلًا صالحًا وخاضعًا لإرادة الله، أم أنه كان يسبب لي المشاكل إذا كان على قيد الحياة. فوجدتها تفاجئني بأنه كان رجلاً فلاحًا، لا يعرف الكثير عن الحياة سوى منزله وحقوله، ومنذ وفاة زوجته لم يتزوج مرة أخرى.
سألتها في ذلك الوقت إذا كان لديه قوى خارقة وقدرات على تحقيق المعجزات وإزالة السحر.
لمفاجأتي الكبرى، ابتسمت وردت عليّ قائلة: “من قال لك كل هذا؟ هل زوجك كان دائمًا مبدعًا وخياله واسع؟ يلعب بين الواقع والخيال. الله لم يوفقه لفترة طويلة قبل زواجه منك. عمي كان من الأشخاص الذين ينكرون وجود الأرواح والسحر والتواصل بين الجان والبشر. وكان يقول دائمًا أن الجن يخرج فقط بواسطة زجاجة حمراء تخرج من الجسم”.
في تلك اللحظة، انزلقت في حيرة ولم أكن أفهم شيئًا. فقلت لنفسي: “هل يمكن أن يكون هو ضحية أيضًا وألا يحمل ذنبًا؟ ومن هو المذنب فيما يحدث لي؟ وما مصير ابني؟” حينها، قررت أن أبحث بجدية عن زوجي دون أن أفصح له عن أي شيء. بدأت أتابع حركاته ومواعيده، وأحاول أن أكتشف متى يغادر ومتى يعود.
تأكدت أنه كان يقوم بعمله بشكل طبيعي، باستثناء زيارته المتكررة للمقابر كل يوم جمعة بعد الصلاة.
عندما سألته عن الشخص الذي ينوي زيارته في المقابر، أجاب بأنه يخطط لزيارة زميل سابق في العمل الذي توفي قبل بضع سنوات، ومن ثم يعتزم زيارة المقابر والدعاء لأرواح الموتى. وأشار إلى أن الدعاء لهم له فضل عظيم، وعندما ينتهي من تحياتهم، سيجد أشخاصًا آخرين يدعون له. ومع ذلك، لم يكن هذا التفسير مقنعًا لي، خاصة أنه لم يكن يتأخر بعد صلاة الجمعة في السنة الأولى من زواجهما، وكان يذهب إلى المسجد المجاور عقب صلاة الجمعة. لم يكن هناك تفسير واضح لهذا التأخير حتى قمت بالتركيز والاستفسار. بالإضافة إلى ذلك، قمت بزيارة صفحته على فيسبوك وتصفحتها لعدة سنوات دون أن أجد أي تعزية تشير إلى وفاة الزميل الذي يشير إليه. قررت أن أجازف وأبحث بشكلٍ أفضل.
كان لديه هاتف iPhone 5 يُفتح بالبصمة، وفي إحدى الليالي، عندما كان نائمًا، استخدمت بصمته لفتح هاتفه وتصفح صفحته على فيسبوك، ودخلت إلى مجموعة العمل الخاصة بهم واستعرضتها حتى يوم تأسيسها. وكانت المفاجأة أنني لم أجد أي شخص يشير إلى وفاته منذ زواجنا. على الرغم من أن المجموعة كانت تنشر اجتماعات وتهاني، وكان هناك تعازي لأقارب الأشخاص في العمل، إلا أنه لم يتم نشر أي تعزية للزميل نفسه.
لذا، قررت التحايل والبحث بطرق أكثر دقة. كان لدي اقتراح من أختي الكبرى، التي كانت متواجدة اجتماعيًا ونشطة، بأن أجد شخصًا يزور المقابر بعد صلاة الجمعة ويتحقق لي من الأمر. بالفعل، قامت بمساعدتي وأعلمت شخصًا تعرفه، وذهبت في يوم الجمعة وكأنها تزور المقابر أيضًا، حتى عثرت على زوجي واقفًا بجانب المقبرة لرجل يدعى محمد عبد الودود حسانين. ثم أبلغتني بالاسم، ولم أكن أعرف أي تفسير لهذا الاسم. لكنني قررت أن أجرب تجربة.
عندما عاد زوجي من عمله وكنا نتناول العشاء، سألته “هل تعرف أي شخص يدعى محمد عبد الودود حسانين؟”، وظهرت عليه التعجب وأجاب “لا، أنا لا أعرف أي شخص بهذا الاسم. لماذا؟” فقلت له “لا، ليس لدي مشكلة، فقط كنت أسأل.” ثم في اليوم التالي، أخبرته بأنني سأذهب لزيارة أختي أثناء عمله، وفعلاً ذهبت إلى هناك، واستدليت بالسيدة التي كانت تراقب زوجي، ومعًا ذهبنا إلى المقابر.
منها عرفت أنه يقف بجانب قبر محمد عبد الودود حسانين. ذهبت إلى اللوحة الموجودة أمام شاهد المقبرة وقرأت الاسم بعد أن ذهب. وعندما وصلت إلى اللوحة، وجدت كتابة “محمد عبد الودود حسنين، وُلد في 17/2/1953 وتوفي في 9/1/2013”. فور رؤية تاريخ وفاته، أدركت أن حياته انتهت قبل حتى وصول زوجي إلى القاهرة. طلبت من السيدة أن تصف لي كيف كان يقف، وأجابت بأنه كان يقف بشكل عادي ويرفع وجهه نحو القبلة. حينها بدأت بالبحث في نفس الصف الذي يحتوي على القبر والصف الأمامي والصف الخلفي للمقبرة نفسها، واستثنيت الأشخاص الذين توفوا قبل وصول زوجي إلى القاهرة واستثنيت الرجال أيضًا، حتى وجدت القبر بإسم وداد إبراهيم توفيت في 14/9/2016، وكان في الصف الذي يلي صف محمد عبد الودود. شعرت حينها أن هذا القبر هو المراد.
عندما اقتربت من القبر ولمست الشاهد، شعرت برعشة في جسمي، لكن قررت الاستفسار والتحقق من الأمر. بعد عودتي إلى المنزل، بدأت البحث عن وداد على الإنترنت، في صفحات التصادمات، واكتشفت أنها انتهت حياتها بالانتحار، حيث أضرمت النار في نفسها في غرفة على سطح منزلها بسبب ظروف نفسية صعبة مرت بها.
في ذلك الوقت، شعرت بالصدمة وبدأت أتساءل عن الصلة بين زوجي ووداد، ولماذا يذهب لزيارتها. بدأت الشكوك تتسلل إلى قلبي، وحاولت تهدئة نفسي بالقول إنه قد تم خطأ في تحديد المقبرة، وأن وداد ليس لها أي علاقة بزوجي. ومع ذلك، قررت أن أستكمل بحثي، فاتصلت بأختي وأخبرتها أن هناك شيئًا غريبًا يحدث بخصوص زوجي، وأنني أرغب في معرفة التفاصيل.
على الرغم من أن أختي لم تكن في حالة استقبال جيدة لضيوفها بسبب زوجها، إلا أنها لم تتحمل وجود زوجي. وكانت ترغب في أن أنفصل عنه وأعيش بمفردي في شقة مستأجرة. عندما أخبرتها أنني أبحث عن شخص انتهت حياته، ضحكت وقالت “أنتِ محظوظة وستظلين كذلك طوال حياتك. ابحثي عن الأحياء بدلاً من ذلك.”
ومع ذلك، شعرت بالقلق الحقيقي والخوف، فسألتني أختي بجدية وقالت: “تريدين معرفة السبب؟” فأجبتها: “نعم، أريد أن أعرف السبب ولكن من خلال مصادر مختلفة عن الإنترنت والصحف.”