قصة الـجريمة (الجزء الأخير)
عندما قرأت البيانات التي تمكنت من الوصول إليها، اكتشفت أن المنطقة التي كانت وداد تعيش فيها ليست بعيدة جدًا عن منطقة أختي. وكلما جاء شخص من منطقة وداد إلى أختي، كانت تسأله عن قصة وداد وسبب انتهاء حياتها، حتى جمعت معلومات من مصادر مختلفة. كان هناك رواية واحدة مكتوبة في الجرائد وعلى الإنترنت، وكانت تروي أن وداد انتهت حياتها بسبب رجل سواء كانت تحبه وخانها أو كان هناك رجل آخر قام بالتلاعب بها وحدثت خطأ معه، وخوفًا من الفضيحة، انتحرت. كان هناك أيضًا شائعات تتحدث عن وجود رسائل تشير إلى أن وداد كانت تحمل طفلاً وأن هناك تحليلًا مختلفًا عن المعتاد، وذكرت أن عائلتها قامت بإخفاء الأمر لكي لا تنتحر وتكشفهم. عندما سمعت هذه الأخبار، اعتقدت أن زوجي هو السبب وأنه قد تجنبها ولذلك انتحرت، وربما يتبعها شبحها. وكانت كلمات ابنة عمها التي وصفته بالسيء تثير الشك، فقد ذكرت أنه كان غريبًا وأنه تغير قبل زواجنا بفترة قصيرة. ومع ذلك، حاولت أن أنفي هذا الشعور وأقول لنفسي أنه قد لا يكون له صلة، أو ربما يعرف قصتها ويعرف من هو السبب وشبحها يطارده لكشف الحقيقة. لم يكن الأمر يشغله حتى تزوجنا، لكن المطاردات زادت بعد ولادتي وشعرت بأن طفلي قد يتعرض للأذى أيضًا. قرر زيارتها في قبرها كل جمعة ومحاولة استرضائها، لأنه لا يستطيع كشف السر. وحينها قررت مواصلة البحث للتأكد وحماية نفسي وطفلي. وفي يوم ما، وأنا أقوم بتنظيف الحمام وأغسل وجهي أمام المرآة، لاحظت انعكاس نفس المرأة التي رأيتها محروقة أمامي في المرآة. كانت واقفة خلفي بنفس الحجم وترتدي نفس العباءة السوداء، لكنها لم تكن محروقة، وكانت تبتسم لي وتحاول وضع يدها على كتفي، ولكنها فجأة عادت لصورتها المحروقة الأصلية وهذا أثار رعبي وهربت خارجًا. عندما هدأت، شعرت أنها تحذرني من أنني على الطريق الصحيح، خاصةً لأنه منذ بدء البحث عن زوجي، لم يحاول ترويعي، فشعرت أنها دفعة قوية لأكمل وأحمي نفسي وطفلي بشكل دائم. وفي يوم ما، عندما كنت أبحث في الدرج الذي يحتفظ زوجي به لوثائقه القديمة، قررت أن أتفقده ربما أجد أي شيء، وكانت المفاجأة أنني وجدت عقد إيجار الشقة التي كان يعيش فيها قبل أن يستأجر الشقة الحالية. لقد كانت الشقة في نفس الشارع الذي تقع فيه منزل وداد، وتبين أنه استأجرها من يوليو 2015 إلى يوليو 2017، ولكنه لم يكمل فترة الإيجار لأن عقد إيجار منزلنا الحالي بدأ في يناير 2017، عندما تزوجنا.
عندما نزلت من السيارة ووجدت نفسي أمام المبنى الذي كان يسكن فيه وداد، أدركت أنه كان يعرفها جيدًا، لأنه استأجر الشقة بعد وفاتها بعدة أشهر فقط. لم أكن متعجبة جدًا من هذا الاكتشاف، كانت مجرد تأكيدات للاشتباهات التي كانت تزعجني. مرت بضعة أيام، وشعرت بالرغبة الشديدة في كشف الحقيقة قبل أن يكبر ابني ويشاهد العالم من حوله. ثم تلقيت مكالمة هاتفية من أختي الصغرى، وبعد تحية السلام وبعض المزاح الذي لم يكن يثير اهتمامي، قالت لي: “سمعت أنك تراقبين زوجك في الآونة الأخيرة”. بدأت الشكوك تسيطر عليّ وأجبتها قائلة: “أنا أتصرف لصالحك، فقط قل لي ما تريدينه”. أجابت قائلة: “هل زوجك يمتلك آيفون 5؟” أكدت لها أنه بالفعل يمتلك آيفون 5. ثم قالت لي: “هل تعرفين كيفية فتحه؟”. أجبتها: “لقد فتحته من قبل ولم أجد أي شيء غريب”. أكدت لي أن الآيفون يحتوي على ميزة تسمى “باك آب”، وإذا لم يتم إيقافها، فيمكن استعادة الرسائل والصور والفيديوهات المحذوفة من آي كلاود منذ تشغيل الجهاز. لكني لم أكن متفهمة تمامًا لهذه الميزة، وكنت أعلم فقط أنه يقوم بتسجيل كلمات المرور في جهات الاتصال الخاصة به. فقالت لي: “حسنًا، فهذا رائع، ستكونين قادرة على سماع أسرار زوجك بوضوح”. ثم بدأت تشرح لي كيفية استرجاع المعلومات، وفي هذه المرة، قررت أن أضع مخدرًا في الشاي الذي يشربه قبل أن يغلق عينيه، حتى أتمكن من البحث براحة تامة.
بعد أن قمت بإسترجاع البيانات واكتشفت العديد من الأمور السلبية والمحادثات المزعجة مع عدة أشخاص، لفت انتباهي بشكل خاص تداخل المحادثات على تطبيق الواتساب، ولاحظت أن العديد من الرسائل كانت تتعلق بشخص يُدعى دودو، وفي تلك اللحظة افترضت أنها تتعلق بوجاد. كانت هناك محادثات تتم عبر المكالمات الهاتفية وأخرى عبر تطبيق الواتساب، وكانت المحادثات على واتساب غير مكتملة، ولكنني كنت أستكملها في خيالي من خلال الجملة “سائل أحمر يخرج من الجسم” دون أن يكون لها سياق واضح.
بدأت المحادثات الأولى بالحب والغرام، وتحولت تدريجيًا إلى محادثات تتعلق بخطأ ما ارتكبته وداد وتحاول إصلاحه، وأدركت أنها تشير إلى ضرورة أن يتقدم شخص أحمر يخرج من الجسم لأهلها ويصحح تلك الخطأ. بعد ذلك، اتخذت المحادثات منحى أكثر قوة حيث اكتشفت أنها حامل على الرغم من اتخاذها تدابير وقائية.
ثم بدأت تهددها بالانتحار وتعتزم ترك رسالة لعائلتها تكشف فيها كل شيء وتترك لهم حقها بعد انتهاء حياتها. وفي ذلك الوقت، بدأ يقلق من جديد ويقول لها أنه لا يصدق أنها حامل وأنه يعتقد أنها ادعت ذلك فقط لتسرع في الزواج، وأنها يجب أن تثبت له أنها حقًا حامل.
في المحادثة التالية، اتفقنا على إجراء تحليل الحمل وأخبرتها أنني سأحضر نتيجة التحليل معي في الغرفة في الموعد المحدد، وكانت سعيدة جدًا بذلك وعبّرت عن سعادتها من خلال المحادثة. ثم يومًا ما بعد إرسال تلك الرسالة، توفت وداد، ولم أكن أعلم بذلك، لذلك أبلغت الشرطة أنا وأختي وأحضرت عقد الإيجار والمحادثات على الواتساب. وعندما اعتقلوه وواجهته بكل تلك الأمور، اعترف بأنه كان يحمل بنزين وكان يخطط لإشعال النار في الغرفة في تلك الليلة بعد ترك تحليل الحمل في المرحاض ليُعتقد أنها انتحرت خوفًا من الفضيحة. ولكن المفاجأة كانت في أنها تعرضت للقتل قبل أن يحرقها بحقنة من البوتاسيوم. ولكن خوف أهلها من الفضيحة دفعهم لتجاوز الطب الشرعي وعملية التشريح، حتى لا يكتشفوا حملها. وأُعلموا أن وفاتها كانت وفاة طبيعية. ومع ذلك، تسربت تلك القصة وأصبح هناك من ينكرها وآخرون يؤكدونها. وكان القاتل واثقًا من أن حقنته لن تظهر أثرها في عملية التشريح، ولكن لا يوجد جريمة كاملة طالما هناك مطالبة للعدالة، وكشفت الجريمة بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات. وفي يوم صدور حكم الإعدام، جاءتني وداد، ولم أكن مدركة أنني كنت غائبة عن الوعي وأنها مجرد حلم، وكانت تودعني بابتسامة سعيدة وكأنها تودعني إلى الأبد…