“الوقت بيسرقنا”..
بقلم: نشوى سويدان
من الإيمان أن نتوقع أن الموت قد يخطف أيًا منا دون سابق إنذار حيث يقول رب العزة في سورة لقمان: “وَمَا تَدرِي نَفسٌ مَّاذَا تَكسِبُ غَدًا وَمَا تَدرِي نَفسٌ بِأَيِّ أَرضٍ, تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”، فالموت حق علينا، وقد يحدث فجأة، دون كلمة وداع، دون لقاء أخير نظهر فيه المشاعر التي أخفيناها دهرا، تعرضنا جميعا إلى مواقف الفقد المفاجئ، أن نستيقظ على أسوأ خبر يمكن أن نسمعه؛ “فلان مات.. إنا لله وإنا إليه راجعون”، ونتساءل متى حدث ذلك وكيف، لقد هاتفته أمس ولم أقل الوداع، مازالت رسالته على هاتفي، مازالت لدي منه مكالمة فائتة حين كنت مشغولا فلم أستطع الرد، مازالت لدي منه مكالمة مدتها ٢٠ دقيقة، كيف حدث هذا، كيف انتهى كل شئ في لحظة، كيف هجر هذا الشخص أحباؤه دون وداع، ليترك فقط رقم هاتفه وبعض الذكريات؟!.
الموت هو الحقيقة الوحيدة في هذه الدنيا الزائفة، حياة طويلة وصراعات ومشكلات وآلام ودموع ومرض وصحة وحب وزواج وأولاد وأفراح وأحزان… لها نهاية واحدة فقط؛ “البقاء لله”، هي الجملة التي ينتهي بها كل شئ، هي مشهد النهاية في فيلم طويل، يظهر فيه كل منا بطلا لقصته، الموت هو الشئ الوحيد الذي تستطيع من خلاله أن تتخلى عن أعبائك، آلامك، دموعك، هو الشئ الوحيد الذي يرغمك على التخلي عن أولادك، حبك، بيتك، ملابسك التي تحبها أو التي اعتدت عليها، سيارتك، هاتفك، فواتيرك وديونك، أو عماراتك وأرصدتك في البنوك، كوب لم تشعر بجمال القهوة إلا فيه، أريكة كنت تريح بدنك عليها، الموت وحده القادر على إرغامك على التنازل عن كل هذا دون أن يمنحك خيارات أو فرصة للتفكير.
أحيانا نشعر بعد فقد إنسان أننا حقا كنا نحبه، كنا نتمنى أن نلتقي ونعبر عن هذا الحب، كنا نتمنى أن نتبادل أطراف الحديث، ونحكي، عندما يزورنا شخص فارق الحياة في أحلامنا، يظهر وكأنه حي بيننا، ويقال أنه يزورنا لأنه أيضا يفتقدنا كما نفتقده، كلما مر بِنَا العمر نفقد من تربينا على أيديهم، من كان وجودهم مهمًا بيننا ولكنه تحول إلى أمر واقع، ولم يخطر ببالنا للحظة أن يختفوا دون وداع، نتألم عندما نحكي لأولادنا ذكرى حفرت بداخلنا فنجد أن معظم أبطال القصة يُتبع اسمهم بجملة “الله يرحمه”، كل هؤلاء كانوا بيننا ورحلوا!، كل هؤلاء كانوا أبطالًا في حياتنا ولم نقل لهم وداعا، نحن نحبكم، إلى لقاء قريب في عالم أفضل!.
لخص الشاعر الغنائي الحساس أمير طعيمة هذه المشاعر في أغنية رائعة تغنت بها الفنانة دنيا سمير غانم بعنوان “الوقت بيسرقنا”، وتحكي عن الحياة التي تشغلنا عن أقرب الناس، لنفاجأ باختفاء من كنا حقا نحب، و تنتهي الأغنية بنصيحة لا بد أن نأخذ بها حيث تقول: “قرب من كل اللي حابيبهم، شيل عنهم خوفهم وتعبهم، يمكن يسيبوك هما الأول، أو يمكن انت اللي تسيبهم، على قد ما تقدر فرحهم، بص لهم واحفظ ملامحهم، هايجيلك يوم فيه تتمنى لو حتى في نومك تلمحهم”، استعد دائما للفراق، اهتم، لا تتأخر في سؤالك، تأكد أننا جميعا إلى زوال، ولن يبقى منا إلا السيرة الطيبة، فلا تحقد، ولا تغتاب، ولا تكره، اعتذر لمن أخطأت في حقه، وسامح من أخظأ في حقك، اظهر حبك دائما وقل وداعًا من قلبك، فقد يكون اللقاء الأخير.