وما زالت الأسطورة فينا
بقلم نضال الناطور
كان عيد ميلاده السابع ، أتت أمي من عَمان إلى القاهرة للاحتفال بهذه المناسبة، وكانت السنة الاولى لابني الأوسط محمود (ابن السنة) وهذه هي المرة الأولى التي يشاركنا احتفال عيد ميلاد أخيه الأكبر مصطفى.. كنت أُحضر وأجهز لحفلة ميلادٍ تليق بمصطفى وبالمدعوين في الحادي عشر من تشرين الثاني عام ٢٠٠٤ ، والتي قررنا أن تكون في عشية هذا اليوم المشؤوم..
وفجأة جاءنا الخبر ، لم أُصدقه، فتحت شاشة التلفاز لأكذب الخبر اليقين، لن يكذب أبي الذي اخبر اخوتي بهذا ومن ثم هاتفونا في مصر لاخبارنا بهذه الكارثة ..
تقول امي لي :” الختيار مات”… وهو لقب من ألقاب ياسر عرفات …
إن الموت علينا حق ، نعم أعلم ذلك، ولكن هل يموت عرفات؟ هل ودّعنا “أبو عمار” للأبد؟؟ شعرت وقتها بظلمة دامسة، وغربة موحشة زادت من غربتي ، فأحببناك كوطن، وعرفناك صورة من صور فلسطين ، وشُعلة نُضيءُ بها ثورتنا في بيروت، وفي فلسطين، وفي كل عواصمنا العربية ، ورأيتك في وجه أبي الذي لازمك ٣٧ عاما وكانت مهمته حمايتك والنضال بجانبك من أجل تحرير الأرض وتحقيق العودة ..
يا الله ما كل هذا الحزن!!! فالحزن يغتالنا، كيف سأُعزي والدي بك ، وانا اعرف جيدا ان الخبرَ يقتلُه ، والجرح عميق لا يمكن مداوته او حتى تسكينه ..
دموع من العيون تنزف، وانا أُشاهدُ شاشات الاخبار وأتابعُ الحدث، من سيطفئ نار غيابه عنا ؟ مع من سنأخذ الصور ، كما تعودنا، ونحن أطفال نرفع اصابيعنا على شكل علامة النصر كما علّمنا تأكيدا على عودتنا ؟ كيف سيتحمل شعبي هذا الحزن والألم؟؟؟ فهو معشوق الملايين، وهو القائد الرمز الذي يبث فينا روح الثورة والمقاومة ، والصمود والكبرياء.. وهو من اختار المسؤولية المتلازمة بين الحياة والشهادة ، هو العطاء بلا حدود ، والحُب دون شروط ، هو من تقاسمنا معه الحلم والأمل والألم .. هو الجزء الأكبر من ذاكرتنا الفلسطينية، وهو طريق الكفاح الوطني الفلسطيني نحو الحُرية..
وهو شخصية عبقرية لم تستسلم للنكبة عام ١٩٤٨ وتداعياتها على البقاء الفلسطيني في أرض الوطن و الخارطة والهوية ، عبقريته قادته إلى تأسيس حركة فتح وتفجير الثورة الفلسطينية ، وإعادة صياغة الهوية الوطنية وإثبات الشعب الفلسطيني كرقم صعب في المنطقة ، ونجح في تدويل القضية وتسليط الضوء عليها من خلال إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي و وحيد للشعب الفلسطيني…
وهو المعجزة التي أشعلت ثورة معاكسة لكل الحسابات وضد التيارات المنحازة للأمن الإسرائيلي.. ربما لم ينتصر كثيرا القائد الرمز في أرض المعارك العسكرية في الوطن ، ولم يطفيء نيران الحروب المشتعلة على أرصفة الشتات ، ولكنه انتصر في معركة الدفاع عن الوجود الفلسطيني..
رحمة الله على القائد الأسطورة ياسر عرفات الذي ما زال حي فينا فعرفات لم يكن فردا ، بل تعبيرًا عن روح شعب لا يموت…