قصة (تقدم لخطبتي شاب)

تتحدث الفتاة عندما تقول: قدم أحدهم عرض زواج لي، وكان الشرط الوحيد للزواج منه أن أعتني بوالدته. أخبرني أنه لن يطلب مني شيئًا آخر، فقط أن أُهتم بوالدته وأكون حاضرة لها عندما يكون غائبًا. تعاني والدته من الفراش منذ عشر سنوات، وبعد وفاة والده، أصبحت هي الشخص الوحيد في حياته. قال لي: “هذا هو الشرط الوحيد، أمي”. أدرك أنه ليس عليَّ أن أتولى مسؤولية رعايتها أو خدمتها، ولكن إذا وافقت، ستكون هذه الخطوة تعبيرًا عن إنسانيتي وطاعتي له. هكذا أخبرني.

تعرضت أمه لحادث سير مروع، ما تسبب في فقدانها الكامل للتحكم في جسدها وشل أطرافها. كان الشخص الذي يعتني بها هو الزوج المحتمل، ولكن بسبب دراسته وعمله، يتغيب عنها في بعض الأوقات وتحتاج إلى أدوية ورعاية. كنت أفكر كثيرًا وترددت، فكأنه يحتاجني كخادمة وليس كزوجة! تحدثت مع والدي الذي سكت عن ضجيج تفكيري وقال لي: “استمعي يا ابنتي، هذا مستقبلك ولا يحق لي التأثير في اختياراتك. ولكن بما أنك سألتني عن رأيي، أعتقد بشدة أن الأعمال الصالحة تحمي من الشر. وشخص مهتم بهذا القدر بوالدته لن يسيء معاملتك أو يظلمك!”

إذا كان يحبك، فسيكرمك، وإذا كان يكرهك، فلن يظلمك. إذا كنتِ ستعتنين بأمه بطريقة لا ترضيه تمامًا ولكن ستضعينها في مكانة أمك، فاقبلي يا ابنتي. وإذا كان الشيطان سيحاول أن يدخل إلى قلبك ويدفعك لظلمها، فقولي “لا” وأعترفي بذلك لكِ. وتزوجنا فعلاً، وفي أول ليلة معه أخذني إلى غرفتها، صُدمت من مشهد الغرفة، كانت كقطعة من الجنة بألوانها وترتيبها ووسائل التدفئة المختلفة تمامًا عن باقي البيت.


تركني واقتربت من سريرها، كانت نائمة. أخذ يهز كتفها بلطف وقال: “ماما، جئت لأهديك هدية، هذه زوجتي، هل ترغبين في رؤيتها؟” فتحت عينيها بلطف ونظرت إليه بابتسامة ثم حوّلت نظرها نحوي. لا أستطيع وصف تلك اللحظة، كانت عيونها تعبيرًا عن الألم، وثغرها مبتسمًا بحزن. وجهها كان مثل القمر في ليلة مظلمة، هادئًا لامرأة في سن السبعين!
قالت بابتسامة: “مُبارك عليكِ بنيتي زفافك، وأدعو الله أن يهدي لكِ صغيرك هذا، ويمنحكِ ولدًا بارًا مثله، وألا تكوني ثقيلة عليه مثلي.” ثم تدفقت دموعٌ من عينيها كأنها فيضانٌ لا يُمكن كبحه. سارعت لمسح دموعها بكمِّ بدلتها وقال: “هذا الكلام يُغضبني، وأنتِ تعلمين ذلك. أرجوكِ ماما، لا تُعيديها!” اقتربت منها وقُبِّلت يدها ورأسها وقلت: “آمين، ماما.”

مضت أيامي في هذا البيت، ولكن دهشتي تتزايد يوماً بعد يوم. كان هو الشخص الذي يغير لها الحفاضات ويقوم بإطعامها في مكانها. كما كان يحممها ويغسل شعرها، ويرتبه لها بعناية. عندما أحسَّت بألمٍ أثناء تمشيط شعرها، ابتكر لها مشطًا غريبًا مصنوعًا من ورق مقوى ناعم، خصيصًا لفروة رأسها. كان قد رأى هذا المشط في إعلان تجاري وقام بشرائه خصيصًا لها.
سرت جدًا بتلك اللحظات التي يُضفّر فيها شعرها بحرفية. كان يقوم بتجعيد خصلات شعرها وتشكيلها في جديلتين صغيرتين. كانت تشعر بالخجل وتبتسم بحياء وتقول: “أنا لست صغيرة حتى تفعل ذلك، فلتتوقف!” لكنه كان يرد بابتسامة: “عندما يعجب أحدهم بكِ، ستشكرينني”، وكانت تنهمر في ضحك عميق ومرح. من خلف تلك الضحكة، كنت أرى عينيه تنظر إليها ببراءة كطفل لا يزال في السادسة من عمره.

كان يحبها حقًا، وبصدق لم أفهم ماذا يقصد عندما أخبرني بأنه يريدني أن أعتني بها. في الحقيقة، هو يقوم بكل شيء. أخبرني بأن وقت عمله وانشغالاته يجعله يشعر بالقلق على أن تكون هي وحيدة. كنت أتساءل كيف يجد وقتًا للقيام بكل هذا، بينما كان دوري فقط هو مساعدتها في تناول الطعام وأخذ الأدوية.


كانت علاقته بالمرأة تلك تُحببه بها بشدة، وكان مُتعلقًا بها أكثر من أي شيء. كان يستيقظ في الليل لا يقل عن ثلاث مرات لينقلها من مكان لآخر، حتى لا تعاني من قُرح الفراش ويطمئن على راحتها. كان يُحضر لها ملابس جديدة في كل مناسبة، ويُجسّد جو تلك المناسبة بمساعدة التكنولوجيا. وفي إحدى المرات، نسي إحضار حفاضة لها، فعندما استيقظ ليلاً ليتأكد منها، شم رائحة غير طبيعية، وعرف أنها قد احتاجت إلى تغييرها بنفسها.

كانت تذرف الدموع وتعتذر قائلة: “آسفة، حدث ذلك دون قصد مني.” وفيما هو مُنهمك في تنظيفها، هي تبكي وتقول: “أنت لا تستحق مني هذا العبء. لا ينبغي أن تتحمل كل هذا. أدعو الله أن يمنحني ما تبقى من عمري قريبًا.” رد عليها قائلاً: “أفعل ذلك يا أمي، وأفعله بنفس الرضا الذي كنتِ تعبرينه عندما كنت صغيرًا.” وفي تلك الليلة، بكيت كثيرًا، فهذا الرجل حقاً كان رزقاً من الله.

تمنيت أن يشابهها في كل شيء حينما أنجبت منه ولدًا. حملته بين ذراعي وذهبت به إلى جدته، ووضعته في حضنها قائلة: “أتمنى أن يصبح مثل ابنك.” ابتسمت الجدة وأجابت: “صغيري، هذا الولد هو رزق لي، والرزق بيد الله يا عزيزتي. فادعِ الله أن يربيه لك.” كانت حياته مليئة بالبركة والخير، ولم يشكو منها قط، سواء أمامها أو أمام غيرها. رائحته تنبعث منها رائحة البر والإحسان، حتى أشعرتني أنها قادرة على معالجة جميع القلوب الجافة. هل تعرفون من هو هذا الابن البار؟ إنه الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، حفظه الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى