رسالة شاب إلى مذيعة (الجزء الأخير)
رد المذيعة:
مرحبًا عمر،
أنا كريستيان.
قرأت رسالتك وأحسست بابتسامة وحزن في نفس الوقت…
ابتسمت بطبيعة المرأة التي تسعد بسماع الكلمات العاطفية والإشادة، حتى وإن كانت تخفي ذلك.
وحزنت مرتين، مرة علىك ومرة على نفسي… إنها لعنة الجمال يا عمر.
هذه اللعنة التي تصيب الجميع، تصيب الرجال بمرض العشق، وتصيب النساء بمرض الغيرة والحقد، وتصيب الجميلات بمرض الوحدة والاكتئاب.
الجميع يتنافس للوصول إليها، لكنهم يظلون في سباق لا ينتهي ولا يصل أحد إليها. وإذا وصلوا، يشعرون بالتعاسة من تعاسستها، فالمرأة التي يحبها رجل ما تصبح ملكًا للجميع.
الجميلات يا عمر هن الأكثر تعاسة، فهن يكسرن قلوب البسطاء الذين يعتزون بهن، وتكسر قلوبهن الأثرياء الذين يشترونهن ككنوز منزلية.
عفوًا عمر،
نحن المذيعات لسنا هنا لنبرز جمالنا، على الرغم من أننا قد نمتلك بعض الجمال.
إنها فنون الخدعة يا صديقي، جمال مصطنع، ملامح مركبة، وإغراء مدروس.
نحن نحزن على سقوط رموشنا الصناعية أكثر من سقوط الضحايا الحقيقيين.
نخشى الأخطاء التقنية أكثر من الأخطاء العسكرية.
نحن ليس إلا دمى بشرية، أو آلات إعلامية تقرأ الأخبار السيئة والجيدة بنفس الشعور والتعبير، بحيث لا فرق بين افتتاح مقهى ليلي وسقوط عشرة ضحايا من أطفالكم ليلاً.
عفوًا عمر،
لم أسأل عن أخبارك؟
لأنني أعلمها جيدًا.
أعلم أنها أخبار سيئة، مثل حال البلد الذي تعيش فيه.
هناك أشخاص يتظاهرون بأنهم منكم، يعيشون في الفلل الفاخرة ويتحدثون بألسنة الفقراء.
أحاديثهم فارغة، وآراؤهم متناقضة، ومعلوماتهم متضاربة.
يستفيدون من اسمكم للحصول على أموال بعد كل حديث.
نحن نعاني منهم أكثر مما تعانون أنتم.
وقد نلعنهم أكثر مما تلعنون أنتم.
ولكني أهنئ هذا البلد التعيس بك وبالشعراء الغير مشهورين فيه، وأعزيه في هذه العصابة التي أفسدت صورتكم للجميع.
دعنا نتجاوز هؤلاء الآن.
أعلم أنكم تحسدون رجالنا على جمالهم. ولكنك لا تعلم أننا أيضًا نحسد فتياتكم عليكم وعلى مشاعركم الرقيقة. نحن نحسدنهن على كلماتكم الجذابة التي تمس قلوب النساء.
ومع ذلك، قد لا تدرك فتياتكم أهمية وجودكم كما ندرك نحن، قد يكون ذلك بسبب حذرهن أو ربما غبائهن.
قد يكون من الممكن لجارتك في الحي أن تظهر على الشرفة لتسحرك وتحبس أنفاسك برسائلها.
قد يكون من الممكن لزميلتك في الجامعة أو العمل أن تقترب منك، تطمعًا بالحب والكلمات التي تملكها.
قد يكون من الممكن لصديقتك أن تعترض طريقك وتتعذر بطلبك لمكان بيع الهدايا، لترافقك وتكون رفيقتك.
أعتذر عن الزهور التي تذبل في قلوبكم أمام أعينهن.
أعتذر عن الكلمات التي تفقد شبابها على ألسنتكم أمام صمتهن.
وأعتذر عن قلوبكم المتوقدة عندما تخمد أمام فتيات يتطلعن إلى الزواج أكثر من الحب.
فقط سطر واحد في رسالتك يسعدني أكثر من رحلة إلى سان فرانسيسكو والتقاط صورة مع ترامب أمام البيت الأبيض.
وكلمة حب دافئة تعطيني السعادة التي لا تضاهى أكثر من التزلج في شوارع موسكو.
وردة صادقة هي أفضل بالنسبة لي من التنزه في حدائق الأندلس.
لم أعد أجوب القارات والدول كما كنت أفعل. صرت أجوب بين الكلمات والحروف في رسالتك.
أصبح تحرير رسائلك لي يهمني أكثر من تحرير وطني.
أخيرًا يا صديقي:
لا تتردد في إرسال رسالة أخرى. فهي ليست مجرد رسالة كما تعتقد، بل هي تذكرة ثمينة تنقلني إلى المدن والشواطئ التي أحبها قلبي. ولا يمكننا السفر إليها إلا بفضلكم، أيها الشعراء.