طـعــ,ــنة من قريب (الجزء الثاني)
سحبني سليم بشغف، وبينما كنا ضائعين في عيون بعضنا، شدني ووقفني على قدمي بلطف، وفتح صنبور الدش فوقي. بصوت حاد وغاضب، قال سليم: “اقفزي يا هنا، ربما تفوقك هذه الماء وتصدقين أن هناك شخصًا لمسك، وأنك لست فتاة، وأنك خدعتيني وضحكتي علي، وأنتِ تعلمين جيدًا مدى حبي لك والانغماس الذي تحتلينه في داخلي. كيف يمكنك خداعي بهذا الشكل؟! وكيف يمكنك قبول شيء كهذا يا هنا؟! سأجنّ، كيف يمكنك؟!”. انهار سليم أمام عيني، وسقط على الأرض بضعف، وبدأ يبكي بحرقة ويصدر أصواتًا مؤلمة وشهقات مؤلمة لروحي. لم أتمكن من لمسه أو تواسيه، تركته يعاني في ألمه. سقطت أنا أيضًا بالقرب منه، وكنت أرتجف بسبب البرد الشديد، وضممت رجله في حضني مثل الأطفال، وبصوت مبحوح، قلت له: “أنا لا أعرف، أنا لستُ عارفة! صدقني!”. اقترب سليم مني بعد أن شعر بأنه ضغط على نفسيتي وأنني لم أعد قادرة على تحمل اللوم، ووضع يده على خدي بلطف. قال سليم: “من يعرف بك يا روح سليم؟! قلي لي، وسأعدك بأنني سأقف بجانبك وأواجه الحيوان الذي أساء لك! من يمكنه أن يقترب مني بكل تلك الطريقة؟!”. عيناه تحولت فجأة إلى براكين غضب، وهو يتخيل أن هناك شخصًا آخر لمسني. سليم بقسوة: “لن تستفيدي من حمايته، فحمايته لك في الوقت الحالي ستتسبب في إيذائك، يا هنا. قد تصلين حتى إلى الموت!”. صمتت كل الأصوات حولي، واكتفيت بالانكماش على نفسي أكثر، وتركني سليم وخرج من الحمام. قاومت الألم وضعف جسمي، والألم الذي ينزفه قلبي، وجلست أبكي وأصفق بقوة على المأساة التي وقعت فيها. تواصلت مع نفسي كمجنونة، حتى وجدت الشيطان يهمس بكلام غريب في أذني، وهذا هو المرة الأولى التي أتجاوز فيها أن أصغي له. كنت دائمًا أستعيذ بالله وأطرده بعيدًا عن أفكاري، إلا أنه الآن يأتي بكلام يحثني على الموت.
أشعر بالعجب كيف تعرضت لهذا العار ولا أعرف كيف ومن أين جاء، وحتى لو حدثت أحدًا فلن يصدق أنني لا أتذكر، أو بالأحرى لا أستطيع التذكر.
لأول مرة أسمع كلامه، وفعلاً استعدت من ضعفي ونظرت إلى نفسي في المرآة وأنا لا أزال ملفوفة بالشراشف وعيناي حمراوتان من البكاء الذي لا يتوقف. أمسكت بمرآة صغيرة كانت في الحمام وكسرتها، ثم مددت يدي ووجهت الزجاجات المكسورة نحو معصمي بقوة، وكأني أؤكد لنفسي وللحياة أنني ميتة وأن الوفاة أكثر رحمةً من حياتي التي تحمل ذنباً لم أرتكبه. نظرت إلى نفسي مرة أخرى وكأني أشبع من روحي قبل أن أموت، ورددت لنفسي في المرآة: “آسفة، لكن ليس هناك حلاً آخر، هذا هو الحل الأفضل لنا جميعًا”.
أغمضت عيني بخوف وبدأت أجز يدي بالزجاجات المكسورة. وفجأة، لاحظت سليم يفتح باب الحمام بخوف، وعينيه تكاد تخرج من محجريهما من شدة الخوف. سليم، بعد أن رآني وأنا أمسك المرآة المكسورة، سأل بدهشة: “ماذا تفعلين؟؟”.
لم أتمكن من مقاومة الصعف ولم أستطع أن أحافظ على قوتي، فانهارت قواي فجأة وسقطت على الأرض. كان اليوم والأحداث التي شهدتها كثيرة لروحٍ بريئةٍ مثلي لتحملها. كان سليم أسرع مني وأمسكني قبل أن أسقط على الأرض. أمسكني بدموعه ووضعني على السرير بعد أن قام بإزالة الشراشف عن جسدي، ثم غطاني بشكل جيد وجلب عطرًا ورشه فوقي. بدأت في فتح عيني ببطء وعيناه لم ترَ شيئًا بسبب كمية الدموع. عندما لاحظتني، هرولت نحوه وعانقت سليم بشدة، كنت أرغب في حضنه بقوة وأختبئ في أحضانه، وبدأت أبكي بصوتٍ عالٍ وأمسكت بملابسه بشدة وتشديد من عناقه.
اضطرب جنبه ووضعه بلطف: “أنا آسفة يا طفلتي!!؟؟؟”
قلت هاتين الكلمتين وغطست في نومٍ عميق، وكأن جسمي لا يستجيب لأي شيء، حتى الكلام. عندما شعر سليم بأن تنفسي يستقر في حضنه، فهو إشارةٌ بأنني نمت بشكلٍ صحيح. نقلني إلى السرير ووضع رأسي على الوسادة بلطف، ثم وضع قبلة على خدي وهو يبكي.
قال سليم: “لا أعرف من يجب أن يعتذر يا ملاكي!!!؟؟؟”
ثم فتح سليم الخزانة وجلب ملابسًا لي وأعطاني إياها، وهو يبكي ويعبر عن حزنه وضعفي الذي وصلت إليه. وفجأة، وبينما يلبسني الملابس، لاحظ وجود دم على السرير!!!!!!
شـاهد الجزء الثالث من هنا