رحلة إلى العالم الآخر (الجزء الأول)

منذ أكثر من عشرين عامًا، تقف في بيتنا حجرة مغلقة منذ ولادتي. عندما استيقظت لأول مرة في هذا العالم، وجدتها مغلقة، وعندما سألت عن السبب، أجابوا بأن أي شخص يدخلها سيموت. في قريتنا، يتكون البيوت من عدة طوابق، وتحتوي العديد منها على حجرات مغلقة، وهذا هو نمط البناء الشائع في قريتنا. ومع ذلك، فإن بيتنا هو الوحيد الذي يحتوي على حجرة مغلقة. فلماذا يحدث هذا؟

لقد طرحت هذا السؤال على أمي منذ عام، ولكنها لم تقدم إجابة واضحة. بدأت تتهرب من الإجابة، ولكن بعد أن ألحيت عليها مرارًا وتكرارًا، أخيرًا أنهت تماطلها وكشفت الحقيقة. قبل ولادتك، كنا نعيش في الطابق الثاني من البيت، أنا ووالدك، لأنه كان هو أكبر أبناء جدك. وكان أخوة والدك لا يزالون صغارًا في تلك الفترة، وكان جدك يعيش في الطابق الأول من البيت.

في إحدى الأيام، دخل أحد أعمامي الحجرة، واسمه علي، برفقة شقيقه إبراهيم، ليقضيا وقتًا ممتعًا فيها. لكن فجأة، انهار شيء ما من تحتهما، واختفى الاثنان تمامًا. بدأنا بالبحث عنهما في كل مكان، واعتقدنا في البداية أنهما قد خرجا من المنزل. لكن جدتك أصرت على أنهما لم يغادرا الحجرة. حاولنا استدعاء خبراء في هذا المجال لمساعدتنا، لكن دون جدوى. ومنذ ذلك الحين، قررنا إغلاق الحجرة وعدم جرؤ أي شخص على فتحها.

بعد مرور سنوات، قررنا الانتقال إلى الطابق الأول من البيت للعيش مع جدي وجدتي. وذلك بسبب رغبة عمي الأصغر في الزواج، فأعطانا دوره في الطابق الثاني، وهذه كانت العادة المتبعة في بلدتنا. لم نستطع ترك جدي وجدتي وحدهما، لذا قررنا العيش معهما.

واستمرت أمي في الحديث قائلة: “تركنا هذا الأمر جانبًا، فهل ستنضم إلينا لحضور زفاف ابنة خالتك؟ أم ستذهب بمفردك؟ فكلنا سنذهب في فترة ما بعد الظهر في هذا اليوم”.

وبينما كنت مشغولًا في تأملاتي، وأمي تعيد سرد قصتها لي، أعادت ترديد كلماتها وهي تلوح بيدها أمام وجهي. رددت بثقة قائلاً: “حسنًا، لا داعي لكم بالانتظار، سأذهب بعد غروب الشمس”.

بعد أداء صلاة العصر، خرج الجميع من المنزل.

ولكن كلام أمي لم يغادر عقلي. أنا أعشق الغموض ولقد قرأت الكثير ودرست في كلية الآثار، فلا يمكنني أن أترك هذا الأمر بدون تحقيقه.

قبل نصف ساعة من وقت المغرب، كنت مستعدًا للخروج. وقفت أمام الحجرة وكنت في حالة من التأمل. بدون أن أدرك ذلك، فتحت الحجرة وقمت بمحاولات عديدة حتى نجحت في فتحها. أخذت مصباحًا يدويًا وأشعلته، ولكن وجدت الحجرة خالية تمامًا. قرأت آية الكرسي والمعوذات واستعذت بالله، ثم قمت بالبحث في كل زاوية من الحجرة، ولكن دون جدوى. شعرت بالاستياء والرغبة في الخروج، لكن كلام أمي حول عماي اللذان كانا يلعبان أثار انتباهي.

قررت القفز والتحرك في كل مكان داخل الحجرة، واستخدمت هاتفي المحمول لتشغيل تسجيل ضحك الأطفال في محاولة لجذب انتباههم. فجأة، شعرت بارتجاج الأرض تحت قدمي، وتشكلت فتحة أمامي تسببت في انزلاقي وانطلاقي إلى الأسفل. تواصلت عملية الهبوط وأنا أصرخ الشهادة، وكانت الموت متوقعًا بعد انتهاء الهبوط لمدة تقريبية ربع ساعة.

فجأة، هبطت في ماء وغمرني تمامًا. ومع ذلك، قام الماء بدفعي بقوة لأعلى مرة أخرى. وجدت نفسي في مكان ممتلئ بالماء، والفتحة التي نزلت منها كانت على بُعد حوالي عشرة أمتار فوق سطح الماء. ولكن، لاحظت حافة فارغة بجوار الماء. قمت بالسباحة نحوها وصعدت إليها، واستغرقت بعض الوقت للاسترخاء.

وفي هذه اللحظة، قمت بتفقد ممتلكاتي ووجدت أن الهاتف والكشاف لا يزالان يعملان على الرغم من الماء، لكنه لا يوجد فيهما شبكة أو إشارة. قمت بإغلاق الهاتف للحفاظ على بطاريته، ولم أكن متأكدًا من ما سأواجهه بعد ذلك.

بدأت في استكشاف المكان وتحسست كل شيء حولي بحثًا عن أي شيء يمكن أن يفيدني.

أثناء بحثي، وجدت قطعة نقدية قديمة من فئة الخمسة قروش بجوار أحد الحوائط. عرفت أن هناك شخصًا قد زار هذا المكان منذ سنوات، حيث تم إيقاف استخدام تلك القطعة منذ وقت طويل. ولكن، لاحظت أن الماء يتدفق في اتجاه واحد، مما أدركت أن هناك مخرجًا للماء. قمت بتأمين أغراضي وبدأت في السباحة في اتجاه تدفق الماء.

استمريت في السباحة حتى لاحظت وجود حائط يسد المجرى المائي. توقفت للحظة، ولكن الماء كان يتدفق نحو هذا الجانب. كيف يمكن أن يكون هذا الحائط موجودًا؟ فكرة أتت إلى ذهني بأنه قد يكون هناك فتحة أسفل الحائط. انغمست تحت الماء ووجدتها حقًا. صعدت مرة أخرى وأخذت نفسًا عميقًا، ثم غطست وعبرت من تحت الحائط، واستمريت في السباحة حتى وصلت إلى الجهة الأخرى، وهناك وجدت الماء يتدفق بشكل قوي وكأنه شلال.

حاولت بكل الطرق العودة إلى الوراء، ولكن كان ذلك مستحيلاً.

أخيرًا، استسلمت لقوة الماء وهبطت من على قمة الشلال. عندما علوت إلى سطح الماء، تفاجأت بالمنظر الذي تركني مندهشًا حتى فقدت الكلام.

كانت هناك غابة مكونة من أشجار ضخمة، تمتلئ الغابة بأشجار طويلة جدًا، وتتغلغل بين تلك الأشجار طبقات من الضباب التي تحجب الرؤية بينها. وقفت أمام هذه الغابة، متسائلاً كيف يمكن أن تكون هناك غابة تحت الأرض وكيف استمرت في الوجود في تلك الظروف؟!

تخيلت أن تلك الأشجار قد تحجرت على مر الزمن، لكنني لم أكن متأكدًا من ذلك.

أقدمت على الدخول وتحدي المغامرة، لا يمكنني العودة إلى عائلتي الآن، فقد أصبح من المستحيل العودة إليهم.

دخلت المكان وكانت الرؤية شبه معدومة بسبب الضباب المتراكم. وأثناء سيري، كان مصحوبًا بكشاف، اكتشفت وجود كوخ مبني من الحجارة والخشب. شعرت بالرعب حيث شعرت بوجود وجودٍ غير مرئي بجانبي، وأحسست بوجود شخص آخر.

لكنني شجّعت نفسي ووضعت ثقتي بالله لأكمل ما بدأته. اقتربت من الباب وفجأة، وقعت في فخ مخبأ، وسحب الحبل لأعلى مما جعل قدمي معلقة في الهواء ورأسي معلقًا للأسفل. قلت لنفسي: “اللهم ارحمني”، يبدو أنني وصلت إلى نهاية رحلتي والموت يقترب، سواء بسبب الجوع أو من قام بوضع الفخ، بغض النظر عن هويتهم.

لكن بعد وقت قصير، شعرت بأقدام تقترب مني، فبدأت أردد الشهادة وأستعيذ بالله، وسمعت صوتًا ينطق بكلام من وسط الضباب.

شـاهد الجزء الأخير من هنا رحلة إلى العالم الآخر (الجزء الأخير)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى