قصة الطفلين الحزينة (الجزء الأخير)
وفجأة، أدركت أن الشرطي الذي كان هناك ليس عدوًا، بل هو حامي ومدافع عن الناس. لم يكن يريد إيذائي أو سلب حريتي، بل كان جاء لحل المشكلة وحمايتنا. قلقي وتوتري بدأا يتلاشيان تدريجيًا بعد أن سمعت كلماته الطيبة ورؤية اهتمامه بنا.
تذكرت حكايات الأبطال الذين يخوضون المغامرات ويحمون الضعفاء. وقد رأيت الآن بأم عيني أن الشرطي الذي أمامي هو بطل حقيقي، جاء لمساعدتنا وتأمين سلامتنا. أصبحت واثقة أننا في أمان وأنه سيعمل جاهدًا لإعادة أمي بأمان.
كانت هذه اللحظة التي غيرت نظرتي تمامًا عن الشرطة. لم أعد أخافهم، بل أصبح لدي احترامًا كبيرًا لمهنتهم النبيلة والصعبة. أدركت أنهم هم الحماة والرمز الحقيقي للعدل في مجتمعنا.
فرددت عليه بكل ثقة قائلة: “أنا لست خائفة، حتى لو قمت بضربي، لقد تعودت!” تفاجأ الشرطي وسألني بدهشة: “ماذا تقول؟ على ماذا تعودت؟” أجبته قائلة: “أبي يضربني كل يوم، وأمي تقوم بتضميد الجروح والكدمات التي يسببها لي. فإذا كنت تنوي أن تضربني، فلتحضر أمي لتقوم بعلاجي وتضميد جروحي التي ستتسبب بها.” رأيت عيناه تملأهما الدموع وهو يتجه بسرعة نحو المنزل.
كنت ألقي نظرات سريعة من نافذة السيارة التي كنت أجلس فيها، محاولة أن أعرف ما يحدث.
وبعد وقت قصير، خرجت مجموعة من رجال الشرطة وهم يدفعون عربة تحمل شيئًا مغطى بقطعة قماش بيضاء. وعندما وصلوا بالقرب من سيارة الإسعاف، هبت الرياح وكشفت الغطاء المغطي، وإذا بها أمي، وكان جسدها مغطاا بالــ.ــــ.ــد مــ.ــاء
أحد أفراد الشرطة سارع لتغطية جسد أمي. في تلك اللحظة، لم أكن أدرك معنى الموت، كوني مجرد طفلٍ يفتقر للتفهم والخبرة. فجأة، فتحت باب السيارة وحملت أختي الصغيرة بين يدي وسارعت نحو أمي بكل قوتي.
حاول رجال الشرطة منعي وإبقائي في السيارة، لكنني أصررت بقوة على رؤية أمي، فمنحوني الفرصة أخيرًا. تم إزالة الغطاء الذي يغطي جسدها، وكانت تبدو كمن ينام بسلام. بدأت بناديها بصوت عالٍ قائلًا: “أمي… أمي!”، لكنها لم تستجب وكأنها في عالم آخر. وضعت أختي الصغيرة فوق جسدها بينما كانت تبكي، في محاولة يائسة لإيقاظها وجعلها تستيقظ وتهتم بها وتطعمها.
ولكنها لم تظهر أي حركة أو استجابة. لم يكن الشرطي قادرًا على الكلام، بل بدأ يبكي بحرقة. في تلك اللحظة، أدركت أن أمي قد رحلت إلى الأبد ولن تعود إلينا مرة أخرى. تذكرت مشهدًا منذ فترة، حين رأيتها تبكي وسألتها: “لماذا تبكين، يا أمي؟”، فأجابت: “أبكي على سعادتي، يا بُني”. سألتها بفزع: “ماذا حدث لها؟”، فأجابت بحزن عميق: “لم أعد أشعر بها”. تابعت: “لماذا لا تندهيها لتعود وأشعر بها؟”، فأجابت بصوت هامس: “يا صغيري، الأشياء التي تجعلنا نبكي لن تعود أبدًا. لقد رحلت أمي…”
إذا أتممت القراء فـ صل على النبي صلى الله عليه وسلم