طـعــ,ــنة من قريب (الجزء الثالث)
عندما رأى سليم وجود الدم على السرير، استلقى بجواري بلطف وعانقني بقوة، كأنني كنت أهرب منه. ثم نمنا معًا، وقلوبنا تنبض بالقرب والانسجام.
عندما بدأ النهار يشق طريقه عبر نومنا، سمعنا صوت جرس الباب يرن. خرج سليم من حضني بكسل وعيونه تحتك بوجع من البكاء الشديد، وأنا ابتعدت عنه بلطف وعيني ترفض النظر وتخاف أن تلمح وجهه بعد كل ما حدث وما عرفه!!؟؟؟؟
سليم قام وفتح باب الشقة، ووجد عائلتي قد حضرت للقاء الصباحية التي يتعارف عليها في المجتمع المصري. دخلت أمي متزغردة بشوق ولهفة، وابتسامتها لا تفارق وجهها، ودخل أبي بعيون مليئة بالثقة والأمان.
عندما رأى سليمهم، احتضنهم ورحب بهم ودخلوا الصالون. سألت أمي سليم عني، فأجاب سليم بخجل: “هيا لسا نائمة، هي عروسة ولازم تستلقي”.
استأذن منهم وذهب إلى الغرفة لكي يوقظني كما فهموا، ولكنني كنت جالسة ومحتضنة له رجلي على السرير وأبكي. سرعان ما اقترب سليم مني وأخذني في حضنه.
سليم بصوت مبحوح من الحب: “اهدأي يا طفلتي، لا تبكي حتى لا يسمع أهلك من الخارج. سنخرج ونلتقي بهم قليلاً، حسنًا؟”
رأيته يتحدث بهذا الثقة وأصابني الدهشة، فاختبأت في حضنه بكسرة ودموع مكتومة، حتى لا يسمعها أحد. قلت له: “ماذا سأجيب عائلتي عندما يسألون؟ ماذا سنقول لهم في ذلك الوقت؟ هل أقول لأبي أنني لست فتاة وأن هناك شخصًا قد لمسني؟ أم أقول لأمي أنني خانت ثقتها ولم أستطع أن أخبرها بما حدث وأشعر به؟” قلت ذلك وأنا أبكي، وكنت أختم كلماتي بصوتي المكتوم في حضنه، وأشد قميصه خوفًا وضعفًا.
سحبني سليم من حضنه بألم ودموع تغمر عينيه أيضًا. قال سليم: “سيتم حل كل شيء، انزلي الآن وإن سألك أحد عن هذا الموضوع، انظري إلي وأنا أمام عينيك وسيتم حل كل شيء. أهم شيء بالنسبة لي أنك معي، فلا تسمحي لي برؤية دموعك مرة أخرى. دموعك قيمة بالنسبة لي، يا روحي سليم.” اقترب مني أكثر وقبَّل عينيَّ وكل بوصلة في وجهي، حتى وصل إلى شفاهي التي احمرت من البكاء، وقبَّلني برقة حتى لم أشعر به. انفصل عن قبلته وحضنه وهو يقول لي: “قومي الآن، ارتدي عباءة الاستقبال التي تليق بعروسة جميلة مثلك، وعينيك اللوزية التي تقتلني.”
ابتسمت لسليم برقة، لكنني كنت مرعوبة ومستغربة. كيف يكون سليم هادئًا بهذا الشكل؟ وما الذي حدث ليجعله يهدأ ويتعامل معي بلطف كما كان يفعل قبل أن يعرف أنني لست فتاة؟؟
نهضت وارتديت عباءة الاستقبال، وخرجنا بيدٍ بيدٍ كعروسين جدد. قدمت التحية لأبي وأمي وعانقتهما بدموع غزيرة، ثم ركضت نحو سليم مرة أخرى ومسكت يده، إنه الشخص الوحيد الذي سيمنحني القوة، وأبكي من أجله ومن أجل سبب ما.
غضب أبي من تصرفي ومن أنني ركضت نحو سليم وعانقته بعد أن كنت أبكي فقط في حضنه، فهو لم يكن يعلم أنني لن أستطيع.
لم يكن حضنك سوى خسارة بالنسبة لي، يا أبي. لقد زاد خوفك عليَّ بشكل مبالغ فيه لفتاة مثلي، وبدأت أتحدث إلى نفسي بكلمات غريبة وجديدة، وبدأت أستغرب تصرفاتي. كيف يمكنني أن أقول مثل هذا الكلام عن نفسي، عندما لم أفعل أي شيء ولا أعرف من هو الشخص الذي تسبب في ذلك؟
حاولت تجاهل كل تلك الأفكار حتى وصلت كلمة تهز وجودي من والدتي بعدما أخذتني ودخلنا الغرفة. بصوت قلق، قالت والدتي: “ماذا حدث؟ ما الذي فعلتيه يوم أمس؟”
لم أكن أعرف ماذا أفعل، بكيت بمرارة وألم. هذا كان ردِّي الوحيد، فلم يكن لدي إجابة أعمق من ذلك، وصوت بكائي أصبح قويًا لدرجة أن والدي ركض من الصالون إلى الغرفة، هو وسليم.
وقفت والدتي بسرعة على قدميها، وكانت تنظر إليَّ بعيون حادة وبصوت قوي يهز قلبي وجوهري. قالت والدتي: “لماذا تبكين؟ قولي لي!”
لم أجبها. اقتربت والدتي مني أكثر وأمسكت بعبائتي بغضب، قائلة: “تكلمي، قولي لي لماذا تبكين منذ أن وصلنا، ولماذا لم تردِّي عليَّ يا نور عيني؟”
كانت دموع والدتي تخونها، وقلبها يشعر بضعفي. ركضت نحو والدي الذي كان يقف صدمة ولا يدري ماذا يفعل.
والدتي قالت بصوت مرتفع وقبل أن تكمل الجملة، دخل سليم بسرعة وأخذني في حضنه، وردَّ بصوت عالٍ وصارم: “لا تجرحي مرآتي بهذه الكلمة. أنا مرآتي، أشرف من الشرف. أنتِ فاهمة؛ ولولا وجودك في بيتي وكونك أم مرآتي، لكان لدي تصرف آخر.”
ترك سليم حضني وأخرج منديلاً من درج السرير، وكان هناك دم عليه.