طـعــ,ــنة من قريب (الجزء الرابع)
سليم تركني وأخرج منديلاً من درج السرير، وكان عليه بعض الدم. وقفت مذهولة وأفركت يدي الاثنتين، وعيناي توسعتان من الصدمة. بمجرد رؤية المنديل الذي أخرجه سليم، صاحت والدتي بحماس وهي تقبلني بشغف وتحضن سليم بقوة بعيدًا عني وعن حضني بقسوة.
قال سليم: “من يشكك في مرآتي لا يستحق أن يلمسها.”
نظرت إلى سليم بدموع تعبِّر عن كلماتي، كأن دموعي تناديه قائلة: “اتركها، يا سليم، والله!”
تدخل والدي بعد أن وجد والدتي منهارة من البكاء وتندب نفسها، متهمة نفسها بأنها شكت فيَّ. قال والدي: “خلاص، يا سليم، وعلى أي حال هي أم وتخاف على ابنتها وشرفها.”
كنت واقفة ولم أسمع أو أرى أو أشعر بأي شيء. كل ما أريده هو معرفة كيف حدث هذا وأنا لم أشعر بشيء ولم أرَ شيئًا. ولكن في داخلي، كنت سعيدة لا يزال لي الآن فترة الطفولة وأن لم يلمسني أحد قبل سليم. كانت فرحة عظيمة تنبض في داخلي، وكأنني كنت في كابوس وتخلصت منه فجأة. تحولت إلى حالتي الطبيعية فجأة، مسحت دموعي وبدأت أضحك وأضرب سليم على ظهره بنزهة وضحكًا، لأوقف الكلام الذي كان يقوله لوالدتي. قلت لها بضحكة: “أنتِ اتهطلت يا سومى، دي ماما، وعلى أي حال، تطمئن على ابنتها. أنتِ أش أدخلك عصبي بس أنا بحبك يا قرة عيني.” اقتربت من وجنته أكثر، وكان والدي ووالدتي واقفين، وقلت له بدموع في عيني: “بدوب فيك عيوني.” وكانت عيناه أيضًا تخونه وتفيض منها حبات من الدموع الثمينة عليَّ وعلى قلبي. مسحت دموعه بعاطفة ومسكت يده بيدي، ثم خرجنا ووالدي ووالدتي كانوا قد سبقونا إلى الصالون.
قدمت لهم الضيافة وجلسنا سويًا قليلاً نضحك ونمزح معًا.
فلاش باك
سليم، جاري وابن الجيران كما يقولون. بعد وفاة والديه، أصبح يأتي إلينا في المنزل بكثرة، لأن أمي كانت تطبخ له وتغسل ملابسه. كانت أمي تفعل كل شيء له، وكان سليم يحبها بشدة، حتى وصل إلى درجة أنه كان يشتري لها هدية في عيد الأم، وكان يقبل يدها بشكل دائم. تحول اسم أمي لدى الناس لـ “أم سليم”، لأنني كنت الابنة الصغرى والوحيدة، وكان لي أخت واحدة فقط تدعى هنادي.
في تلك الفترة، كان سليم شابًا صغيرًا لا يزال يدرس في الجامعة، بينما كنت لا زلت في المرحلة الثانوية.
بعد تقديم الضيافة لهم وبقائهم معي لفترة، اعتذروا لأن يذهبوا حضنتهم. وصلنا، أنا وسليم، إلى باب الشقة وودعناهم بحفاوة.
عندما أغلق سليم الباب، ركضت نحوه وعانقته بشدة، واحتضنته وانغمست في رقبته، معتلقة جنب جسده بحب. قلت بعاطفة: “أنا أعشقك يا صغيري.”
أخرجني سليم من عناقه بلطف، ونظر في عيني بعاطفة وحب. قال بصوت منخفض ومشتاق: “لا تفرحي كثيرًا بهذا الشكل.”
كل ما حدث كان مسرحية، أليس كذلك يا هنا؟
دموعي بدأت تتجمع في عيني، وشعرت بضعف يجتاح جسمي مرة أخرى. عندما رأى سليم حالتي تتدهور مرة أخرى، قال لي: “أليس من المفترض ألا تبكي وأنا قد قلت لك ألا تفعلي ذلك؟”
دموعي زادت قوة، وسقطت على الأرض من شدة الضعف، وكنت أبكي بصوت مكتوم وبحرقة: “كيف ومن أين جاء هذا الدم؟ ولماذا تعاملت معي بهذه الطريقة؟ ولماذا أشعر بالحنين مرة أخرى؟ كيف سأتحمل كل هذا؟!”
سقط سليم على ركبتيه أمامي وجذب وجهه نحو وجهي لدرجة أن أنفاسه العاشقة اختلطت بأنفاسي. وبينما يمسح دموعي بأصابعه كالطفل، قال برقة: “امسحي دموعك يا ملكة قلبي. أنتِ لستِ فتاة، والدم الذي كان على المنديل، كان ناتجًا عن جرح صغير في يدك، لم أكن أهتم به إلا أنا بنفسي. وعندما غيرت المنديل لك، كنت تحاولين الانتحار. من سأذهب إليه بعدك؟ لمن سأذهب بعد فقدانك؟ لا تدركين مدى العشق الذي أحمله نحوك! فكري في طفلنا إذاً!”
رددت عليه بصوت متأرجح ومليء بالعشق والألم: “وغلاوة قلبك ما أدري عنه، وحياتي تلك الدقائق والثواني التي عشتها معك، لم أتخيل حتى فكرة الانفصال. سليم، لا تحملها لأي شخص آخر!”
بدأ سليم يتحمس بعشق، وأخذ يحملني بعاطفة إلى السرير. ثم بدا سليم متحيرًا وبصوت ضعيف: “لماذا هنادي لم تأتِ معهم؟!” هي لسه زعلانة مننا؟
شـاهد الجزء الخامس من هنا